1. Surat
Al-Fatiha, Meccan, 7 verses
١. سورة الفاتحة,
مكية, 7 آيات
قال العلماء بسم
الله الرحمن الرحيم قسم من ربنا أنزله عند رأس كل سورة، يقسم
لعباده إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق، وإني أفي لكم
بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري. وبسم
الله الرحمن الرحيم مما أنزله الله تعالى في كتابنا وعلى هذه
الأمة خصوصا بعد سليمان عليه السلام. وقال بعض العلماء إن بسم الله الرحمن الرحيم تضمنت جميع الشرع، لأنها تدل
على الذات وعلى الصفات، وهذا صحيح. الثانية : قال سعيد بن أبي سكينة :
بلغني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلي رجل يكتب بسم
الله الرحمن الرحيم فقال له : جودها فإن رجلا جودها فغفر له. قال
سعيد : وبلغني أن رجلا نظر إلى قرطاس فيه بسم الله الرحمن
الرحيم فقبله ووضعه على عينيه فغفر له. ومن هذا المعنى قصة بشر
الحافي، فإنه لما رفع الرقعة التي فيها اسم الله وطيبها طيب اسمه، ذكره
القشيري. وروى النسائي عن أبي المليح عن ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عثرت بك الدابة فلا تقل
تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت ويقول بقوته صنعته ولكن قل بسم
الله الرحمن الرحيم فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب). وقال علي بن الحسين
في تفسير قوله تعالى وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا
على أدبارهم نفورا [الإسراء:46] . قال معناه : إذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم. وروى وكيع عن الأعمش عن أبي
وائل عن عبدالله بن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة
عشر فليقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ليجعل الله
تعالى له بكل حرف منها جنة من كل واحد. فالبسملة تسعة عشر حرفا على عدد
ملائكة أهل النار الذين قال الله فيهم عليها تسعة عشر
[ المدثر:30 ]. وهم يقولون في كل أفعالهم بسم الله
الرحمن الرحيم فمن هنالك هي قوتهم، وببسم الله استضلعوا. قال ابن
عطية: ونظير هذا قولهم في ليلة القدر: إنها سبع وعشرين، مراعاة للفظة هي من
كلمات سورة إنا أنزلناه [القدر:1 ]. ونظيره أيضا
قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل : ربنا ولك الحمد حمدا
كثيرا طيبا مباركا فيه، فإنها بضعة وثلاثون حرفا، فلذلك قال النبي الله صلى
الله عليه وسلم : (لقد رأيت بضعا وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها
أول). قال ابن عطية: وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم. الثالثة :روى
الشعبي والأعمش ""أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب باسمك اللهم
حتى أمر أن يكتب بسم الله فكتبها، فلما نزلت قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن [الإسراء:110]. كتب بسم الله الرحمن الرحيم فلما نزلت إنه
من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل:30 ] كتبها. وفي
مصنف أبي داود قال الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة: إن النبي الله
صلى الله عليه وسلم لم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم حتى نزلت سورة النمل .
الرابعة : روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: البسملة تيجان السور.
قلت: وهذا يدل على أنها ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها. وقد اختلف العلماء
في هذا المعنى على ثلاثة أقوال: الأول : ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها،
وهو قول مالك. الثاني :أنها آية من كل سورة، وهو قول عبدالله بن المبارك.
الثالث : قول الشافعي: هي آية في الفاتحة، وتردد قوله في سائر السور، فمرة
قال: هي آية من كل سورة، ومرة قال : ليست بآية إلا في الفاتحة وحدها. ولا
خلاف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة النمل. واحتج الشافعي بما رواه
الدارقطني من حديث أبي بكر الحنفي عن عبدالحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال
عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي الله صلى الله عليه
وسلم قال : (إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرؤوا بسم الله الرحمن
الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم
أحد آياتها). رفع هذا الحديث عبدالحميد بن جعفر، وعبدالحميد هذا وثقه أحمد
بن حنبل ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين، وأبو حاتم يقول فيه : محله الصدق،
وكان سفيان الثوري يضعفه ويحمل عليه. ونوح بن أبي بلال ثقة مشهور. وحجة ابن
المبارك وأحد قولي الشافعي ما رواه مسلم عن أبي أنس قال : بينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما،
فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : (نزلت علي آنفا سورة) فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر.
إن شانئك هو الأبتر [الكوثر1 : 3 ]. وذكر الحديث، وسيأتي في سورة
الكوثر إن شاء الله تعالى. الخامسة: الصحيح من هذه الأقوال قول مالك، لأن
القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف
فيه. قال ابن العربي ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها،
والقرآن لا يختلف فيه والأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن
البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلا في النمل وحدها. ""روى مسلم عن
أبي هريرة"" قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (قال الله عز
وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا
قال العبد الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى علي
عبدي وإذا قال العبد مالك يوم الدين قال مجدني
عبدي - وقال مرة فوض إلي عبدي - فإذا قال إياك نعبد وإياك
نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب
عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل). فقوله سبحانه :
(قسمت الصلاة) يريد الفاتحة، وسماها صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها، فجعل
الثلاث الآيات الأول لنفسه، واختص بها تبارك اسمه، ولم يختلف المسلمون
فيها. ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده، لأنها تضمنت تذلل العبد وطلب
الاستعانة منه، وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى، ثم ثلاث آيات تتمة سبع آيات.
ومما يدل على أنها ثلاث قوله : (هؤلاء لعبدي) أخرجه مالك ، ولم يقل :
هاتان، فهذا يدل على أن أنعمت عليهم آية. قال ابن
بكير : قال مالك أنعمت عليهم آية، ثم الآية
السابعة إلى آخرها. فثبت بهذه القسمة التي قسمها الله تعالى وبقوله عليه
السلام لأبي: (كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة) قال : فقرأت الحمد
لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها - أن البسملة ليست بآية منها،
وكذا عد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة، وأكثر القراء عدوا أنعمت عليهم آية، وكذا ""روى قتادة عن أبي نضرة عن أبي
هريرة قال : الآية السادسة أنعمت عليهم. وأما أهل
الكوفة من القراء والفقهاء فإنهم عدوا فيها بسم الله
الرحمن الرحيم ولم يعدوا أنعمت عليهم. فإن
قيل : فإنها ثبتت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقله، كما نقلت في
النمل، وذلك متواتر عنهم. قلنا : ما ذكرتموه صحيح، ولكن لكونها قرآناً أو
لكونها فاصلة بين السور - كما روي عن الصحابة : كنا لا نعرف انقضاء السورة
حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم أخرجه أبو داود-
أو تبركا بها، كما قد اتفقت الأمة على كتبها في أوائل الكتب والرسائل؟ كل
ذلك محتمل. وقد قال الجريري : سئل الحسن عن بسم الله
الرحمن الرحيم قال : في صدور الرسائل. وقال الحسن أيضا : لم تنزل بسم الله الرحمن الرحيم في شيء من القرآن إلا في طس إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [النمل:30
]. والفيصل أن القرآن لا يثبت بالنظر والاستدلال، وإنما يثبت بالنقل
المتواتر القطعي الاضطراري. ثم قد اضطرب قول الشافعي فيها في أول كل سورة
فدل على أنها ليست بآية من كل سورة؛ والحمد لله. فإن قيل : فقد نقل جماعة
قرآنيتها، وقد تولى الدارقطني جمع ذلك في جزء صححه. قلنا : لسنا ننكر
الرواية بذلك وقد أشرنا إليها، ولنا أخبار ثابتة في مقابلتها، رواها الأئمة
الثقات والفقهاء الأثبات. روت عائشة في صحيح مسلم قالت : كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب
العالمين ..الحديث. وسيأتي بكماله. وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك قال:
صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فكانوا يستفتحون بالحمد
لله رب العالمين؛ لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم
لا في أول قراءة ولا في آخرها. ثم إن مذهبنا يترجح في ذلك بوجه عظيم، وهو
المعقول؛ وذلك أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة انقضت عليه
العصور، ومرت عليه الأزمنة والدهور، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى زمان مالك، ولم يقرأ أحد فيه قط بسم الله الرحمن
الرحيم اتباعا للسنة؛ وهذا يرد أحاديثكم. بيد أن أصحابنا استحبوا
قراءتها في النفل وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها أو على السعة في
ذلك. قال مالك : ولا بأس أن يقرأ بها في النافلة ومن يعرض القرآن عرضاً.
وجملة مذهب مالك وأصحابه: أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها،
ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها سراً ولا جهراً؛ ويجوز أن
يقرأها في النوافل. هذا هو المشهور من مذهبه عند أصحابه. وعنه رواية أخرى
أنها تقرأ أول السورة في النوافل، ولا تقرأ أول أم القرآن. ونقل عنه ابن
نافع ابتداء القراءة بها في الصلاة الفرض والنفل ولا تترك بحال. ومن أهل
المدينة من يقول: إنه لابد فيها من بسم الله الرحمن
الرحيم منهم ابن عمر، وابن شهاب؛ وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو
ثور وأبو عبيد. وهذا يدل على أن المسألة مسألة اجتهادية لا قطعية، كما ظنه
بعض الجهال من المتفقهة الذي يلزم على قوله تكفير المسلمين؛ وليس كما ظن
لوجود الاختلاف المذكور؛ والحمد لله. وقد ذهب جمع من العلماء إلى الإسرار
بها مع الفاتحة؛ منهم : أبو حنيفة والثوري؛ وروي ذلك عن عمر وعلي وابن
مسعود وعمار وابن الزبير؛ وهو قول الحكم وحماد؛ وبه قال أحمد بن حنبل وأبو
عبيد؛ وروي عن الأوزاعي مثل ذلك؛ حكاه أبو عمر بن عبدالبر في (الاستذكار )
واحتجوا من الأثر في ذلك بما رواه منصور بن زاذان عن أنس بن مالك قال : صلى
بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة بسم
الله الرحمن الرحيم. وما رواه عمار بن رزيق عن الأعمش عن شعبة عن
ثابت عن أنس قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر،
فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. قلت : هذا قول حسن،
وعليه تتفق الآثار عن أنس ولا تتضاد ويخرج به من الخلاف في قراءة البسملة.
وقد روي عن سعيد بن جبير قال: هذا محمد يذكر رحمان اليمامة - يعنون مسيلمة -
فأمر أن يخافت ببسم الله الرحمن الرحيم، ونزل ولا تجهر
بصلاتك ولا تخافت بها [الإسراء:110 ]. قال الترمذي الحكيم أبو
عبدالله : فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذلك الرسم وإن زالت العلة، كما بقي
الرمل في الطواف وإن زالت العلة، وبقيت المخافتة في صلاة النهار وإن زالت
العلة. السادسة: اتفقت الأمة على جواز كتبها في أول كل كتاب من كتب العلم
والرسائل؛ فإن كان الكتاب ديوان شعر فقد روى مجالد عن الشعبي قال : أجمعوا
ألا يكتبوا أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم.
وقال الزهري : مضت السنة ألا يكتبوا في الشعر بسم الله
الرحمن الرحيم. وذهب إلى رسم التسمية في أول كتب الشعر سعيد بن
جبير، وتابعه على ذلك أكثر المتأخرين. قال أبو بكر الخطيب : وهو الذي
نختاره ونستحبه. السابعة:قال الماوردي ويقال لمن قال بسم الله : مبسمل، وهي
لغة مولدة، وقد جاءت في الشعر؛ قال عمر بن أبي ربيعة : لقد بسملت ليلى
غداة لقيتها ** فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل قلت : المشهور عن أهل اللغة
بسمل. قال يعقوب بن السكيت والمطرز والثعالبي وغيرهم من أهل اللغة : بسمل
الرجل. إذا قال : بسم الله. يقال : قد أكثرت من البسملة؛ أي من قول بسم
الله. ومثله حوقل الرجل، إذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله. وهلل، إذا
قال : لا إله إلا الله. وسبحل، إذا قال : سبحان الله. وحمدل، إذا قال :
الحمد لله. وحيصل، إذا قال : حي على الصلاة. وجعفل، إذا قال : جعلت فداك.
وطبقل، إذا قال : أطال الله بقاءك. ودمعز، إذا قال : أدام الله عزك. وحيفل،
إذا قال : حي على الفلاح. ولم يذكر المطرز : الحيصلة، إذا قال : حي على
الصلاة. وجعفل، إذا قال : جعلت نفسي فداك. وطبقل، إذا قال : أطال الله
بقاءك. ودمعز، إذا قال : أدام الله عزك. الثامنة: ندب الشرع إلى ذكر
البسملة في أول كل فعل؛ كالأكل والشرب والنحر؛ والجماع والطهارة وركوب
البحر، إلى غير ذلك من الأفعال؛ قال الله تعالى فكلوا مما
ذكر اسم الله عليه [الأنعام:118]. وقال اركبوا
فيها بسم الله مجراها ومرساها [هود:41 ] . وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (أغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وخمر
إناءك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله). وقال : (لو أن أحدكم إذا
أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما
رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً). وقال لعمر بن
أبي سلمة : (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك). وقال : (إن
الشيطان ليستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه) وقال : (من لم يذبح فليذبح
باسم الله). وشكا إليه عثمان بن أبي العاص وجعا يجده في جسده منذ أسلم،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل
بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر).
هذا كله ثابت في الصحيح. وروى ابن ماجة والترمذي عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم
الله). وروى الدارقطني عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا مس طهوره سمى الله تعالى، ثم يفرغ الماء على يديه. التاسعة: قال
علماؤنا : وفيها رد على القدرية وغيرهم ممن يقول : إن أفعالهم مقدورة لهم.
وموضع الاحتجاج عليهم من ذلك أن الله سبحانه أمرنا عند الابتداء بكل فعل أن
نفتتح بذلك، كما ذكرنا. فمعنى بسم الله أي بالله.
ومعنى بالله أي بخلقه وتقديره يوصل إلى ما يوصل
إليه. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله. وقال بعضهم : معنى قوله بسم الله يعني بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته؛ وهذا
تعليم من الله تعالى عباده، ليذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها، حتى
يكون الافتتاح ببركة الله جل وعز. العاشرة: ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى
إلى أن ـ اسم ـ صلة زائدة، واستشهد بقول لبيد : إلى الحول ثم اسم السلام
عليكما ** ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر فذكر ـ اسم ـ زيادة، وإنما أراد :
ثم السلام عليكما. وقد استدل علماؤنا بقول لبيد هذا على أن الاسم هو
المسمى. وسيأتي الكلام فيه في هذا الباب وغيره، إن شاء الله تعالى. الحادية
عشرة :اختلف في معنى زيادة ـ اسم ـ فقال قطرب : زيدت لإجلال ذكره تعالى
وتعظيمه. وقال الأخفش : زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرك؛
لأن أصل الكلام : بالله. الثانية عشرة :واختلفوا أيضا في معنى دخول الباء
عليه، هل دخلت على معنى الأمر؟ والتقدير : ابدأ بسم الله. أو على معنى
الخبر؟ والتقدير : ابتدأت بسم الله؛ قولان : الأول للفراء، والثاني للزجاج.
فـ بسم الله في موضع رفع خبر الابتداء : وقيل :
الخبر محذوف؛ أي ابتدائي مستقر أو ثابت باسم الله؛ فإذا أظهرته كان بسم الله في موضع نصب بثابت أو مستقر، وكان بمنزلة قولك :
زيد في الدار وفي التنزيل فلما رآه مستقرا عنده قال هذا
من فضل ربي[ النمل:40 ]. فـ عنده في وضع
نصب؛ روي هذا عن نحاة أهل البصرة. وقيل : التقدير ابتدائي ببسم الله موجود
أو ثابت، فـ بسم في موضع نصب بالمصدر الذي هو
ابتدائي. الثالثة عشرة : بسم الله تكتب بغير ألف
استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط لكثرة الاستعمال؛ بخلاف قولهاقرأ باسم ربك [العلق:1 ]. فإنها لم تحذف لقلة
الاستعمال. واختلفوا فيحذفها مع الرحمن والقاهر؛ فقال الكسائي وسعيد الأخفش
: تحذف الألف. وقال يحيى بن وثاب : لا تحذف إلا مع بسم
الله فقط، لأن الاستعمال إنما كثر فيه. الرابعة عشرة : واختلف في
تخصيص باء الجر بالكسر على ثلاثة معان؛ فقيل : ليناسب لفظها عملها. وقيل :
لما كانت الباء لا تدخل إلا على الأسماء خصت بالخفض الذي لا يكون إلا في
الأسماء. الثالث : ليفرق بينها وبين ما قد يكون من الحروف اسما؛ نحو الكاف
في قول الشاعر : ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا أي بمثل ابن الماء أو ما كان
مثله. الخامسة عشرة : اسم، وزنه إفع، والذاهب منه الواو؛ لأنه من سموت،
وجمعه أسماء، وتصغيره سمي. واختلف في تقدير أصله، فقيل : فِعْل، وقيل :
فُعْل. قال الجوهري : وأسماء يكون جمعا لهذا الوزن، وهو مثل جذع وأجذاع،
وقفل وأقفال؛ وهذا لا تدرك صيغته إلا بالسماع. وفيه أربع لغات : اسم الكسر،
واسم بالضم. قال أحمد بن يحيى : من ضم الألف أخذه من سموت أسمو، ومن كسر
أخذه من سميت أسمي. ويقال : سم وسم، وينشد : والله أسماك سما مباركا **
آثرك الله به إيثاركا وقال آخر : وعامنا أعجبنا مقدمه ** يدعى أبا السمح
وقرضاب سمه مبتركا لكل عظم يلحمه قرضب الرجل : إذا أكل شيئا يابسا، فهو
قرضاب. سمه بالضم والكسر جميعا. ومنه قول الآخر : باسم الذي في كل سورة سمه
وسكنت السين من باسم اعتلالا غير قياس، وألفه ألف
وصل، وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضرورة؛ كقول الأحوص : وما أنا بالمخسوس
في جذم مالك ** ولا من تسمى ثم يلتزم الإسما السادسة عشرة : تقول العرب في
النسب إلي الاسم : سموي، وإن شئت اسمي، تركته على حاله، وجمعه أسماء وجمع
الأسماء أسام. وحكى الفراء : أعيذك بأسماوات الله. السابعة عشرة : اختلفوا
في اشتقاق الاسم على وجهين؛ فقال البصريون : هو مشتق من السمو وهو العلو
والرفعة، فقيل : اسم لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به. وقيل : لأن الاسم يسمو
بالمسمى فيرفعه عن غيره. وقيل : إنما سمي الاسم اسما لأنه علا بقوته على
قسمي الكلام : الحرف والفعل؛ والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل؛
فلعلوه عليهما سمي اسما؛ فهذه ثلاثة أقوال. وقال الكوفيون : إنه مشتق من
السمة وهي العلامة؛ لأن الاسم علامة لمن وضع له؛ فأصل اسم على هذا وسم
والأول أصح؛ لأنه يقال في التصغير سمي وفي الجمع أسماء؛ والجمع والتصغير
سمي وفي الجمع أسماء؛ والجمع والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها؛ فلا يقال :
وسيم ولا أوسام. ويدل على صحته أيضا فائدة الخلاف وهي : الثامنة عشرة :
فإن من قال الاسم مشتق من العلو يقول : لم يزل الله سبحانه موصوفا قبل وجود
الخلق وبعد وجودهم وعند فنائهم، ولا تأثير لهم في أسمائه ولا صفاته؛ وهذا
قول أهل السنة. ومن قال الاسم مشتق من السمة يقول : كان الله في الأزل بلا
اسم ولا صفة، فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات، فإذا أفناهم بقي بلا
اسم ولا صفة؛ وهذا قول المعتزلة وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمة، وهو أعظم في
الخطأ من قولهم : إن كلامه مخلوق، تعالى الله عن ذلك! وعلى هذا الخلاف وقع
الكلام في الاسم والمسمى وهي: التاسعة عشرة :فذهب أهل الحق فيما نقل
القاضي أبو بكر بن الطيب إلى أن الاسم هو المسمى، وارتضاه ابن فورك؛ وهو
قول أبي عبيدة وسيبويه. فإذا قال قائل : الله عالم؛ فقوله دال على الذات
الموصوفة بكونه عالما، فالاسم كونه عالما وهو المسمى بعينه. وكذلك إذا قال :
الله خالق؛ فالخالق هو الرب، وهو بعينه الاسم. فالاسم عندهم هو المسمى
بعينه من غير تفصيل. قال ابن الحصار : من ينفي الصفات من المبتدعة يزعم أن
لا مدلول للتسميات إلا الذات، ولذلك يقولون : الاسم غير المسمى، ومن يثبت
الصفات يثبت للتسميات مدلولا هي أوصاف الذات وهي غير العبارات وهي الأسماء
عندهم. وسيأتي لهذه مزيد بيان في البقرة و الأعراف إن شاء الله تعالى.
الموفية عشرين : قولهالله هذا الاسم أكبر أسمائه
سبحانه وأجمعها، حتى قال بعض العلماء : إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به
غيره؛ ولذلك لم يثن ولم يجمع؛ وهو أحد تأويلي قوله تعالىوهل
تعلم له سميا [مريم:65 ]. أي تسمى باسمه الذي هو الله.
فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية، المنعوت بنعوت الربوبية،
المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو سبحانه. وقيل : معناه الذي يستحق
أن يعبد. وقيل : معناه واجب الوجود الذي لم يزل ولا يزال؛ والمعنى واحد.
الحادية والعشرون :واختلفوا في هذا الاسم هل هو مشتق أو موضوع للذات علم؟.
فذهب إلى الأول كثير من أهل العلم. واختلفوا في اشتقاقه وأصله؛ فروى سيبويه
عن الخليل أن أصله إلاه، مثل فعال؛ فأدخلت الألف واللام بدلا عن الهمزة.
قال سيبويه : مثل الناس أصله أناس. وقيل : أصل الكلمة لا وعليه دخلت الألف
واللام للتعظيم، وهذا اختيار سيبويه. وأنشد : لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب
** عني ولا أنت دياني فتخزوني كذا الرواية : فتخزوني، بالخاء المعجمة
ومعناه : تسوسني. وقال الكسائي والفراء : معنى بسم الله
بسم الإله؛ فحذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية فصارتا لاما
مشددة؛ كما قال عز وجللكنا هو الله ربي [الكهف :
38 ] ومعناه : لكن أنا، كذلك قرأها الحسن. ثم قيل : هو مشتق من وله إذا
تحير؛ والوله : ذهاب العقل. يقال : رجل واله وامرأة والهة وواله، وماء موله
: أرسل في الصحارى. فالله سبحانه تتحير الألباب وتذهب في حقائق صفاته
والفكر في معرفته. فعلى هذا أصل إلاه ولاه وأن الهمزة مبدلة من واو كما
أبدلت في إشاح ووشاح، وإسادة ووسادة؛ وروي عن الخليل. وروي عن الضحاك أنه
قال : إنما سمي الله إلها، لأن الخلق يتألهون إليه
في حوائجهم، ويتضرعون إليه عند شدائدهم. وذكر عن الخليل بن أحمد أنه قال :
لأن الخلق يألهون إليه (بنصب اللام) ويألهون أيضا بكسرها وهما لغتان. وقيل
: إنه مشتق من الارتفاع؛ فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع : لاهاً، فكانوا
يقولون إذا طلعت الشمس : لاهت. وقيل : هو مشتق من أله الرجل إذا تعبد.
وتأله إذا تنسك؛ ومن ذلك قوله تعالىويذرك وإلاهتك
[الأعراف : 127 ]. على هذه القراءة؛ فإن ابن عباس وغيره قالوا : وعبادتك.
قالوا : فاسم الله مشتق من هذا، فالله سبحانه معناه المقصود بالعبادة، ومنه
قول الموحدين : إلا إله إلا الله، معناه لا معبود غير الله. و إلا في
الكلمة بمعنى غير، لا بمعنى الاستثناء. وزعم بعضهم أن الأصل فيه الهاء التي
هي الكناية عن الغائب، وذلك أنهم أثبتوه موجوداً في فطر عقولهم فأشاروا
إليه بحرف الكناية ثم زيدت فيه لام الملك إذ قد علموا أنه خالق الأشياء
ومالكها فصار له ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيماً وتفخيماً. القول الثاني :
ذهب إليه جماعة من العلماء أيضاً منهم الشافعي وأبو المعالي والخطابي
والغزالي والمفضل وغيرهم، وروي عن الخليل وسيبويه : أن الألف واللام لازمة
له لا يجوز حذفهما منه. قال الخطابي : والدليل على أن الألف واللام من بنية
هذا الاسم، ولم يدخلا للتعريف : دخول حرف النداء عليه؛ كقولك : يا الله،
وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف؛ ألا ترى أنك لا تقول : يا
الرحمن ولا يا الرحيم، كما تقول : يا الله، فدل على أنهما من بنية الاسم.
والله أعلم. الثانية والعشرون: واختلفوا أيضاً في اشتقاق اسمه الرحمن، فقال
بعضهم : لا اشتقاق له لأنه من الأسماء المختصة به سبحانه، ولأنه لو كان
مشتقاً من الرحمة لا تصل بذكر المرحوم، فجاز أن يقال : الله رحمن بعباده،
كما يقال : رحيم بعباده. وأيضاً لو كان مشتقاً من الرحمة لم تنكره العرب
حين سمعوه، إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربهم، وقد قال الله عز وجلوإذ قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمنالفرقان: 60
الآية. ولما كتب علي رضي الله عنه في صلح الحديبية بأمر النبي صلى الله
عليه وسلمبسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو
: أما بسم الله الرحمن الرحيم فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم! ولكن اكتب ما نعرف : باسمك
اللهم، الحديث. قال ابن العربي : إنما جهلوا الصفة دون الموصوف، واستدل على
ذلك بقولهم : وما الرحمن؟ ولم يقولوا : ومن الرحمن؟ قال ابن الحصار :
وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرىوهم يكفرون بالرحمن
[الرعد: 30 ]. وذهب الجمهور من الناس إلى أن الرحمن
مشتق من الرحمة مبني على المبالغة؛ ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له
فيها، فلذلك لا يثنى ولا يجمع كما يثنى الرحيم
ويجمع. قال ابن الحصار : ومما يدل على الاشتقاق ما خرجه الترمذي وصححه عن
عبدالرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : (قال الله
عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن
قطعها قطعته). وهذا نص من الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق، وإنكار
العرب له لجهلهم بالله وبما وجب له. الثالثة والعشرون : زعم المبرد فيما
ذكر ابن الأنباري في كتاب الزاهر له : أن الرحمن
اسم عبراني جاء معه بـ الرحيم. وأنشد : لن تدركوا
المجد أو تشروا عباءكم ** بالخز أو تجعلوا الينبوت ضمرانا أو تتركون إلى
القسين هجرتكم ** ومسحكم صلبهم رحمان قربانا قال أبو إسحاق الزجاج في معاني
القرآن : وقال أحمد بن يحيىالرحيم عربي والرحمن عبراني، فلهذا جمع بينهما. وهذا القول مرغوب عنه.
وقال أبو العباس : النعت قد يقع للمدح، كما تقول : قال جرير الشاعر : و
روى مطرف عن قتادة في قول الله عز وجلبسم الله الرحمن
الرحيم قال : مدح نفسه. قال أبو إسحاق وهذا قول حسن. وقال قطرب :
يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد. قال أبو إسحاق : وهذا قول حسن. وفي
التوكيد أعظم الفائدة، وهو كثير في كلام العرب، ويستغني عن الاستشهاد،
والفائدة في ذلك ما قاله محمد بن يزيد : إنه تفضل بعد تفضل، وإنعام بعد
إنعام، وتقوية لمطامع الراغبين، ووعد لا يخيب آمله. الرابعة والعشرون:
واختلفوا هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟ فقيل : هما بمعنى واحد؛ كندمان
ونديم. قاله أبو عبيدة. وقيل : ليس بناء فعلان كفعيل، فإن فعلان لا يقع ألا
على مبالغة الفعل، نحو قولك : رجل غضبان، للمتلىء غضباً. وفعيل قد يكون
بمعنى الفاعل والمفعول. قال عملس : فأما إذا عضت بك الحرب عضة ** فإنك
معطوف عليك رحيم فـ الرحمن خاص الاسم عام الفعل. والرحيم عام الاسم خاص الفعل. هذا قول الجمهور. قال أبو
علي الفارسيالرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة،
يختصر به الله. والرحيم إنما هو في وجهة المؤمنين؛
كما قال تعالىوكان بالمؤمنين رحيما الأحزاب: 43 .
وقال العرزميالرحمن بجميع خلقه في الأمطار ونعم
الحواس والنعم العامة، والرحيم بالمؤمنين في
الهداية لهم، واللطف بهم. وقال ابن المباركالرحمن
إذا سئل أعطي، والرحيم إذا لم يسأل غضب. وروى ابن
ماجة في سننه والترمذي في جامعه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلممن لم يسأل الله يغضب عليه
لفظ الترمذي. وقال ابن ماجة (من لم يدع الله سبحانه غضب عليه) . وقال :
سألت أبا زرعة عن أبي صالح هذا، فقال : هو الذي يقال له : الفارسي وهو خوزي
ولا أعرف اسمه. وقد أخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال : الله يغضب إن تركت
سؤاله ** وبني آدم حين يسأل يغضب وقال ابن عباس : هما اسمان رقيقان، أحدهما
أرق من الآخر، أي أكثر رحمة. قال الخطابي : وهذا مشكل؛ لأن الرقة لا مدخل
لها في شيء من صفات الله تعالى. وقال الحسين بن الفضل البجلي : هذا وهم من
الراوي، لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى في شيء، وإنما هما اسمان رفيقان
أحدهما أرفق من الآخر، والرفق من صفات الله عز وجل؛ قال النبي صلى الله
عليه وسلم : (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف
) الخامسة والعشرون : أكثر العلماء على أن الرحمن
مختص بالله عز وجل، لا يجوز أن يسمى به غيره، ألا تراه قالقل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن [الأسراء: 110] . فعادل
الاسم الذي لا يشركه فيه غيره. وقالواسأل من أرسلنا من
قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [الرخرف: 45 ].
فأخبر أن الرحمن هو المستحق للعبادة جل وعز. وقد
تجاسر مسيلمة الكذاب - لعنه الله - فتسمى برحمان اليمامة، ولم يتسم به حتى
قرع مسامعه نعت الكذاب فألزمه الله تعالى نعت الكذاب لذلك، وإن كان كل كافر
كاذباً، فقد صار هذا الوصف لمسيلمة علماً يعرف به، ألزمه الله إياه. وقد
قيل في اسمه الرحمن : إنه اسم الله الأعظم؛ ذكره ابن العربي. السادسة و
العشرون : الرحيم صفة مطلقة للمخلوقين، ولما في الرحمن من العموم قدم في كلامنا على الرحيم
مع موافقة التنزيل؛ وقيل : إن معنى الرحيم أي
بالرحيم وصلتم إلى الله وإلى الرحمن، فـ الرحيم
نعت محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي وبمحمد صلى الله عليه وسلم وصلتم إلي، أي
باتباعه وبما جاء به وصلتم إلى ثوابي وكرامتي والنظر إلى وجهي؛ والله أعلم.
السابعة والعشرون : روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال في قوله
بسم الله : إنه شفاء من كل داء، وعون على كل
دواء. وأما الرحمن هو عون لكل من آمن به، وهو اسم
لم يسم به غيره. وأما الرحيم، فهو لمن تاب وآمن
وعمل صالحاً. وقد فسره بعضهم على الحروف؛ فروي عن عثمان بن عفان أنه سأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير بسم الله الرحمن
الرحيم فقال : (أما الباء فبلاء الله وروحه ونضرته وبهاؤه وأما
السين فسناء الله وأما الميم فملك الله وأما الله فلا إله غيره وأما الرحمن
فالعاطف على البر والفاجر من خلقه وأما الرحيم فالرفيق بالمؤمنين خاصة).
وروي عن كعب الأحبار أنه قال : الباء بهاؤه والسين سناؤه فلا شيء أعلى منه
والميم ملكه وهو على كل شيء قدير فلا شيء يعازه. وقد قيل : إن كل حرف هو
افتتاح اسم من أسمائه؛ فالباء مفتاح اسمه بصير، والسين مفتاح اسمه سميع،
والميم مفتاح اسمه مليك، والألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه لطيف،
والهاء مفتاح اسمه هادي، والراء مفتاح اسمه رازق، والحاء مفتاح اسمه حليم،
والنون مفتاح اسمه نور؛ ومعنى هذا كله دعاء الله تعالى عند افتتاح كل شيء.
الثامنة و العشرون : واختلف في وصل الرحيم بـ الحمد لله؛ فروي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه
وسلم الرحيم. ألحمد يسكن الميم ويقف عليها،
ويبتدئ بألف مقطوعة. وقرأ به قوم من الكوفيين. وقرأ جمهور الناس الرحيم
الحمد ، تعرب الرحيم بالخفض وبوصل الألف من الحمد وحكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ الرحيمَ الحمد بفتح الميم وصلة الألف؛ كأنه سكنت الميم
وقطعت الألف ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت. قال ابن عطية : ولم ترو عن
هذه قراءة عن أحد فيما علمت. وهذا نظر يحيى بن زياد في قوله تعالى الَم الله.
(2)
Praise be to Allah, the Cherisher and Sustainer of the worlds; (2) Segala puji bagi Allah,
Tuhan semesta alam,
الأولى: قوله سبحانه
وتعالىالحمد لله روى أبو محمد عبدالغني بن سعيد
الحافظ من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : (إذا قال العبد الحمد لله قال صدق عبدي الحمد لي). وروى مسلم عن أنس
بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليرضى عن العبد
أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها). وقال الحسن :
ما من نعمة إلا والحمد لله أفضل منها. وروى ابن ماجة عن أنس بن مالك قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد
لله إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ). وفي نوادر الأصول عن أنس بن مالك
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو أن الدنيا كلها بحذافيرها بيد
رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكانت الحمد لله أفضل من ذلك). قال أبو
عبدالله : معناه عندنا أنه قد أعطي الدنيا ثم أعطي على أثرها هذه الكلمة
حتى نطق بها، فكانت هذه الكلمة أفضل من الدنيا كلها لأن الدنيا فانية
والكلمة باقية، هي من الباقيات الصالحات قال الله تعالىوالباقيات
الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا [مريم: 76] . وقيل في بعض
الروايات : لكان ما أعطى أكثر مما أخذ. فصيّر الكلمة إعطاء من العبد،
والدنيا أخذا من الله فهذا في التدبير. كذاك يجري في الكلام أن هذه الكلمة
من العبد والدنيا من الله وكلاهما من الله في الأصل الدنيا منه والكلمة منه
أعطاه الدنيا فأغناه وأعطاه الكلمة فشرفه بها في الآخرة. وروى ابن ماجة عن
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم : (أن عبدا من عباد الله
قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك فعَضَلت بالملكين
فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى السماء وقالا يا ربنا إن عبدك قد قال
مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله عز وجل وهو أعلم بما قال عبده، ماذا
قال عبدي؟ قالا يا رب إنه قد قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك
وعظيم سلطانك، فقال الله لهما اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه
بها). قال أهل اللغة : أعضل الأمر : اشتد واستغلق، والمعضّلات (بتشديد
الضاد) : الشدائد. وعضّلت المرأة والشاة : إذا نشِب ولدها فلم يسهل مخرجه،
بتشديد الضاد أيضا فعلى هذا يكون : أعضلت الملكين أو عضلت الملكين بغير
باء. والله أعلم. وروي عن مسلم عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : [الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله
والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض) وذكر الحديث. الثانية:
اختلف العلماء أيما أفضل قول العبد : الحمد لله رب العالمين، أو قول لا إله
إلا الله ؟ فقالت طائفة : قوله الحمد لله رب العالمين أفضل لأن في ضمنه
التوحيد الذي هو لا إله إلا الله، ففي قوله توحيد وحمد، وفي قوله لا إله
إلا الله توحيد فقط. وقالت طائفة : لا إله إلا الله أفضل لأنها تدفع الكفر
والإشراك وعليها يقاتل الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أمرت أن
أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله). واختار هذا القول ابن عطية قال :
والحاكم بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (أفضل ما قلت أنا والنبيون
من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) الثالثة: أجمع المسلمون على أن
الله محمود على سائر نعمه وأن مما أنعم الله به الإيمان فدل على أن الإيمان
فعله وخلقه والدليل على ذلك قولهرب العالمين.
والعالمون جملة المخلوقات ومن جملتها الإيمان لا كما قال القدرية : إنه خلق
لهم على ما يأتي بيانه. الرابعة: الحمد في كلام العرب معناه الثناء
الكامل، والألف واللام لاستغراق الجنس من المحامد فهو سبحانه يستحق الحمد
بأجمعه إذ له الأسماء الحسنى والصفات العلا وقد جمع لفظ الحمد جمع القلة في
قول الشاعر : وأبلج محمود الثناء خصصته** بأفضل أقوالي وأفضل أحْمُدي
فالحمد نقيض الذم، تقول : حمدت الرجل أحمده حمدا فهو حميد ومحمود والتحميد
أبلغ من الحمد. والحمد أعم من الشكر والمحمَّد : الذي كثرت خصال المحمودة.
قال الشاعر : إلى الماجد القرم الجواد المحمد وبذلك سمي رسول الله صلى الله
عليه وسلم. وقال الشاعر : فشقّ له من اسمه ليجله ** فذو العرش محمود وهذا
محمد والمحمدة : خلاف المذمة. وأَحْمَد الرجلُ : صار أمره إلى الحمد.
وأحمدته : وجدته محمودا، تقول : أتيت موضع كذا فأحمدته، أي صادفته محمودا
موافقا، وذلك إذا رضيت سكناه أو مرعاه. ورجل حُمَدَة - مثل هُمَزة - يكثر
حمد الأشياء ويقول فيها أكثر مما فيها. وحَمَدة النار - بالتحريك - : صوت
التهابها. الخامسة : ذهب أبو جعفر الطبري وأبو العباس المبرد إلى أن الحمد
والشكر بمعنى واحد سواء وليس بمرضي. وحكاه أبو عبدالرحمن السلمي في كتاب
الحقائق له عن جعفر الصادق وابن عطاء. قال ابن عطاء : معناه الشكر لله إذ
كان منه الامتنان على تعليمنا إياه حتى حمدناه. واستدل الطبري على أنهما
بمعنىً بصحة قولك : الحمد لله شكرا. قال ابن عطية : وهو في الحقيقة دليل
على خلاف ما ذهب إليه لأن قولك شكرا إنما خصصت به الحمد لأنه على نعمة من
النعم. وقال بعض العلماء : إن الشكر أعم من الحمد لأنه باللسان وبالجوارح
والقلب والحمد إنما يكون باللسان خاصة. وقيل : الحمد أعم لأن فيه معنى
الشكر ومعنى المدح، وهو أعم من الشكر لأن الحمد يوضع موضع الشكر ولا يوضع
الشكر موضع الحمد. وروي عن ابن عباس أنه قال : الحمد لله كلمة كل شاكر، وإن
آدم عليه السلام قال حين عطس : الحمد لله. وقال الله لنوح عليه السلامفقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين [المؤمنون :
28 ]. وقال إبراهيم عليه السلام الحمد لله الذي وهب لي
على الكبر إسماعيل وإسحاق [إبراهيم:39] وقال في قصة داود وسليمان وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين
[النمل: 15 ]. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلموقل الحمد
لله الذي لم يتخذ ولدا[الإسراء: 111 ]. وقال أهل الجنةالحمد لله الذي أذهب عنا الحزن[ فاطر: 34 ]. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس: 10] . فهي
كلمة كل شاكر. قلت : الصحيح أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق
إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان. وعلى هذا الحد قال
علماؤنا : الحمد أعم من الشكر، لأن الحمد يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى
الشكر، والجزاء مخصوص إنما يكون مكافأة لمن أولاك معروفا فصار الحمد أعم
في الآية لأنه يزيد على الشكر. ويذكر الحمد بمعنى الرضا يقال : بلوته
فحمدته، أي رضيته. ومنه قوله تعالىمقاما محمودا
[الإسراء: 79 ]. وقال عليه السلام : (أحمد إليكم غسل الإحليل) أي أرضاه
لكم. ويذكر عن جعفر الصادق في قوله الحمد لله : من
حمده بصفاته كما وصف نفسه فقد حمد، لأن الحمد حاء وميم ودال، فالحاء من
الوحدانية، والميم من الملك، والدال من الديمومية، فمن عرفه بالوحدانية
والديمومية والملك فقد عرفه، وهذا هو حقيقة الحمد لله. وقال شقيق بن
إبراهيم في تفسير الحمد لله قال : هو على ثلاثة
أوجه : أولها إذا أعطاك الله شيئا تعرف من أعطاك. والثاني أن ترضى بما
أعطاك. والثالث ما دامت قوته في جسدك ألا تعصيه، فهذه شرائط الحمد. السادسة
: أثنى الله سبحانه بالحمد على نفسه وافتتح كتابه بحمده، ولم يأذن في ذلك
لغيره بل نهاهم عن ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه عليه السلام فقالفلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى[ النجم: 32 ]. وقال
عليه السلام : (احثوا في وجوه المداحين التراب) رواه المقداد. وسيأتي القول
فيه في النساء إن شاء الله تعالى. فمعنى الحمد لله رب
العالمين أي سبق الحمد مني لنفسي أن يحمد نفسه أحد من العالمين،
وحمدي نفسي لنفسي في الأزل لم يكن بعلة، وحمدي الخلق مشوب بالعلل. قال
علماؤنا : فيستقبح من المخلوق الذي لم يعط الكمال أن يحمد نفسه ليستجلب لها
المنافع ويدفع عنها المضار. وقيل : لما علم سبحانه عجز عباده عن حمده حمد
نفسه بنفسه لنفسه في الأزل فاستفراغ طوق عباده هو محمل العجز عن حمده. ألا
ترى سيد المرسلين كيف أظهر العجز بقوله : (لا أحصي ثناء عليك). وأنشدوا :
إذا نحن أثنينا عليك بصالح ** فأنت كما نُثني وفوق الذي نثني وقيل : حَمِد
نفسه في الأزل لما علم من كثره نعمه على عباده وعجزهم على القيام بواجب
حمده فحمد نفسه عنهم، لتكون النعمة أهنأ لديهم، حيث أسقط به ثقل المنة.
السابعة: وأجمع القراء السبعة وجمهور الناس على رفع الدال من الحمد لله. وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجّاجالحمد لله بنصب الدال وهذا على إضمار فعل. ويقالالحمد لله بالرفع مبتدأ وخبر ،وسبيل الخبر أن يفيد فما
الفائدة في هذا؟ فالجواب أن سيبويه قال : إذا قال الرجل الحمد لله بالرفع
ففيه من المعنى مثل ما في قولك : حمدت الله حمدا، إلا أن الذي يرفع الحمد
يخبر أن الحمد منه ومن جميع الخلق لله، والذي ينصب الحمد يخبر أن الحمد منه
وحده لله. وقال غير سيبويه. إنما يتكلم بهذا تعرضا لعفو الله ومغفرته
وتعظيما له وتمجيدا، فهو خلاف معنى الخبر وفيه معنى السؤال. وفي الحديث :
(من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين). وقيل : إن مدحه عز
وجل لنفسه وثناءه عليها ليعلم ذلك عباده فالمعنى على هذا : قولوا الحمد
لله. قال الطبريالحمد لله ثناء أثنى به على نفسه
وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا الحمد لله، وعلى هذا
يجيء قولوا إياك. وهذا من حذف العرب ما يدل ظاهر الكلام عليه كما قال
الشاعر : وأعلم أنني سأكون رمسا ** إذا سار النواعج لا يسير فقال السائلون
لمن حفرتم ** فقال القائلون لهم وزير المعنى : المحفور له وزير، فحذف
لدلالة ظاهر الكلام عليه وهذا كثير. وروي عن ابن أبي عبَلةالحمد
لله بضم الدال واللام على إتباع الثاني الأول وليتجانس اللفظ وطلب
التجانس في اللفظ كثير في كلامهم نحو : أجودك وهو منحدر من الجبل بضم الدال
والجيم. قال : ... اضرب الساقينُ أُمّك هابل بضم النون لأجل ضم الهمزة.
وفي قراءة لأهل مكة مُرُدفين بضم الراء إتباعا
للميم، وعلى ذلك مُقُتلين بضم القاف. وقالوا :
لإمِّك، فكسروا الهمزة اتباعا للاّم، وأنشد للنعمان بن بشير : ويلِ امِّها
في هواء الجو طالبة ** ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب الأصل : ويلٌ لأمها،
فحذفت اللام الأولى واستثقل ضم الهمزة بعد الكسرة فنقلها للأم ثم أتبع
اللام الميم. وروي عن الحسن بن أبي الحسن وزيد بن عليالحمدِ
لله بكسر الدال على اتباع الأول الثاني. الثامنة: قوله تعالىرب العالمين أي مالكهم، وكل من ملك شيئا فهو ربه، فالرب:
المالك. وفي الصحاح : والرب اسم من أسماء الله تعالى ولا يقال في غيره إلا
بالإضافة، وقد قالوه في الجاهلية للملك قال الحارث بن حِلِّزة : وهو الرب
والشهيد على يوم ** الحيارين والبلاء بلاء والرب : السيد : ومن قوله تعالىاذكرني عند ربك[ يوسف: 42 ]. وفي الحديث : (أن تلد
الأمة ربتها) أي سيدتها وقد بيناه في كتاب التذكرة. والرب : المصلح والمدبر
والجابر والقائم. قال الهروي وغيره : يقال لمن قام بإصلاح شيء وإتمامه :
قد رَبّه يَرُبّه فهو رب له وراب، ومنه سمي الربانيون لقيامهم بالكتب. وفي
الحديث : (هل لك من نعمة تربُّها عليه) أي تقوم بها وتصلحها. والرب :
المعبود ومنه قول الشاعر : أربٌّ يبول الثعلبان برأسه ** لقد ذل من بالت
عليه الثعالب ويقال على التكثير : رباه ورببه وربته، حكاه النحاس. وفي
الصحاح : ورب فلان ولده يُربُّه ربا ورببه وترببه بمعنىً، أي رباه.
والمربوب : المربى. التاسعة: قال بعض العلماء : إن هذا الاسم هو اسم الله
الأعظم لكثرة دعوة الداعين به، وتأمل ذلك في القرآن كما في آخر آل عمران
وسورة إبراهيم وغيرهما، ولما يشعر به هذا الوصف من الصلاة بين الرب
والمربوب مع ما يتضمنه من العطف والرحمة والافتقار في كل حال. واختلف في
اشتقاقه فقيل : إنه مشتق من التربية، فالله سبحانه وتعالى مدبر لخلقه
ومربيهم ومنه قوله تعالىوربائبكم اللاتي في حجوركم
[النساء: 23] . فسمى بنت الزوجة ربيبة لتربية الزوج لها. فعلى أنه مدبر
لخلقه ومربيهم يكون صفة فعل، وعلى أن الرب بمعنى المالك والسيد يكون صفة
ذات. العاشرة : متى أدخلت الألف واللام على رب اختص الله تعالى به، لأنها
للعهد وإن حذفنا منه صار مشتركا بين الله وبين عباده، فيقال : الله رب
العباد وزيد رب الدار فالله سبحانه رب الأرباب يملك المالك والمملوك، وهو
خالق ذلك ورازقه وكل رب سواه غير خالق ولا رازق، وكل مملوك فمُمَلَّك بعد
أن لم يكن، ومنتزع ذلك من يده وإنما يملك شيئا دون شيء وصفة الله تعالى
مخالفة لهذه المعاني فهذا الفرق بين صفة الخالق والمخلوقين. الحادية عشرة
:قوله تعالىالعالمين اختلف أهل التأويل في العالمين اختلافا كثيراً، فقال قتادة : العالمون جمع
عالم وهو كل موجود سوى الله تعالى ولا واحد له من لفظه مثل رهط وقوم. وقيل :
أهل كل زمان عالم قاله الحسين بن الفضل، لقوله تعالىأتأتون
الذكران من العالمين [الشعراء: 165 ]. أي من الناس. وقال العجاج :
فخِنْدِفٌ هامة هذا العأْلَمِ وقال جرير بن الخَطَفي : تَنَصَّفُه البرية
وهو سامٍ ** ويُضحي العالَمون له عيالا وقال ابن عباس : العالمون الجن
والإنس، دليله قوله تعالىليكون للعالمين نذيرا
الفرقان :1 ولم يكن نذيرا للبهائم. وقال الفراء وأبو عبيدة : العالم عبارة
عمن يعقل، وهم أربعة أمم : الإنس والجن والملائكة والشياطين. ولا يقال
للبهائم : عالم، لأن هذا الجمع إنما هو جمع من يعقل خاصة. قال الأعشى : ما
إن سمعت بمثلهم في العالمينا وقال زيد بن أسلم : هم المرتزقون، ونحوه قول
أبي عمرو بن العلاء : هم الروحانيون. وهو معنى قول ابن عباس أيضا : كل ذي
روح دب على وجه الأرض. وقال وهب بن منبه : إن لله عز وجل ثمانية عشر ألف
عالم، الدنيا عالم منها. وقال أبو سعيد الخدري : إن لله أربعين ألف عالم،
الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد. وقال مقاتل : العالمون ثمانون ألف
عالم، أربعون ألف عالم في البر وأربعون ألف عالم في البحر. وروى الربيع بن
أنس عن أبي العالية قال : الجن عالم والإنس عالم وسوى ذلك للأرض أربع زوايا
في كل زاوية ألف وخمسمائة عالم خلقهم لعبادته. قلت : والقول الأول أصح هذه
الأقوال، لأنه شامل لكل مخلوق وموجود دليله قوله تعالىقال
فرعون وما رب العالمين. قال رب السماوات والأرض وما بينهما
[الشعراء: 23] . ثم هو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده. كذا
قال الزجاج قال : العالم كل ما خلقه الله في الدنيا والآخرة. وقال الخليل :
العلم والعلامة والمعلم : ما دل على الشيء، فالعالم دال على أن له خالقا
ومدبرا وهذا واضح. وقد ذكر أن رجلا قال بين يدي الجنيد : الحمد لله فقال له
: أتمها كما قال الله قل رب العالمين فقال الرجل : ومن العالمين حتى تذكر
مع الحق؟ قال : قل يا أخي؟ فإن المحدث إذا قرن مع القديم لا يبقى له أثر.
الثانية عشرة: يجوز الرفع والنصب في رب فالنصب على المدح والرفع على القطع،
أي هو رب العالمين.
(3)
Most Gracious, Most Merciful; (3) Maha Pemurah lagi Maha Penyayang,
الثالثة عشرة: قوله تعالىالرحمن
الرحيم وصف نفسه تعالى بعد رب العالمين
بأنه الرحمن الرحيم لأنه لما كان في اتصافه بـ رب العالمين ترهيب قرنه بـ الرحمن
الرحيم لما تضمن من الترغيب، ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة
إليه، فيكون أعون على طاعته وأمنع كما قال نبئ عبادي أني
أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم [الحجر: 49 ، 50 ].
وقالغافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول
[ غافر: 3 ]. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم
الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد). وقد تقدم ما في هذين
الاسمين من المعاني فلا معنى لإعادته.
(4) Master of the Day of Judgment. (4) Yang menguasai hari
pembalasan.
الرابعة عشرة: قوله تعالىمالك يوم الدين قرأ محمد بن السَّمَيقع بنصب مالك، وفيه
أربع لغات : مالك ومَلِك ومَلْك - مخففة من مَلِك - ومَليك. قال الشاعر :
وأيام لنا غر طوال ** عصينا الملك فيها أن ندينا وقال آخر : فاقنع بما قسم
المليك فإنما ** قسم الخلائق بيننا علامها الخلائق : الطبائع التي جبل
الإنسان عليها. وروي عن نافع إشباع الكسرة في مَلِكِ
فيقرأ ملكي على لغة من يشبع الحركات وهي لغة
للعرب ذكرها المهدوي وغيره. الخامسة عشرة: اختلف العلماء أيما أبلغ : ملك
أو مالك؟ والقراءتان مرويتان عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر.
ذكرهما الترمذي فقيلملك أعم وأبلغ من مالك إذ كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا ولأن الملك نافذ
على المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك قال أبو عبيدة
والمبرد. وقيلمالك أبلغ لأنه يكون مالكا للناس
وغيرهم فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم إذ إليه إجراء قوانين الشرع، ثم عنده
زيادة التملك. وقال أبو علي : حكى أبو بكر بن السراج عن بعض من اختار
القراءة بـ مالك أن الله سبحانه قد وصف نفسه بأنه
مالك كل شيء بقولرب العالمين فلا فائدة في قراءة
من قرأ مالك لأنها تكرار. قال أبو علي : ولا حجة
في هذا لأن في التنزيل أشياء على هذه الصورة تقدم العام ثم ذكر الخاص كقولههو الله الخالق البارئ المصور فالخالق يعم. وذكر المصور
لما فيه من التنبيه على الصنعة ووجود الحكمة وكما قال تعالىوبالآخرة هم يوقنون بعد قولهالذين
يؤمنون بالغيب. والغيب يعم الآخرة وغيرها ولكن ذكرها لعظمها
والتنبيه على وجوب اعتقادها والرد على الكفرة الجاحدين لها وكما قالالرحمن الرحيم فذكر الرحمن الذي
هو عام وذكر الرحيم بعده لتخصيص المؤمنين به في
قولهوكان بالمؤمنين رحيما. وقال أبو حاتم : إن
مالكا أبلغ في مدح الخالق من ملك وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك، والفرق بينهما أن
المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا،
واختار هذا القول القاضي أبو بكر بن العربي وذكر ثلاثة أوجه، الأول : أنك
تضيفه إلى الخاص والعام فتقول : مالك الدار والأرض والثوب كما تقول : مالك
الملوك. الثاني : أنه يطلق على مالك القليل والكثير وإذا تأملت هذين
القولين وجدتهما واحدا. والثالث : أنك تقول : مالك الملك ولا تقول : ملك
الملك. قال ابن الحصار : إنما كان ذلك لأن المراد من مالك
الدلالة على الملك - بكسر الميم - وهو لا يتضمن الملك
- بضم الميم - وملك يتضمن الأمرين جميعا فهو أولى
بالمبالغة. ويتضمن أيضا الكمال ولذلك استحق الملك على من دونه، ألا ترى
إلى قوله تعالىإن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم
والجسم [البقرة: 247 ]. ولهذا قال عليه السلام : (الإمامة في قريش)
وقريش أفضل قبائل العرب والعرب أفضل من العجم وأشرف. ويتضمن الاقتدار
والاختيار، وذلك أمر ضروري في الملك، إن لم يكن قادرا مختارا نافذا حكمه
وأمره، قهره عدوه وغلبه غيره وازدرته رعيته، ويتضمن البطش والأمر والنهي
والوعد والوعيد، ألا ترى إلى قول سليمان عليه السلامما لي
لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين. لأعذبنه عذابا شديدا [النمل:
20، 21]. إلى غير ذلك من الأمور العجيبة والمعاني الشريفة التي لا توجد في
المالك. قلت : وقد احتج بعضهم على أن مالكا أبلغ لأن فيه زيادة حرف فلقارئه
عشر حسنات زيادة عمن قرأ ملك. قلت : هذا نظر إلى الصيغة لا إلى المعنى،
وقد ثبتت القراءة بملك وفيه من المعنى ما ليس في مالك على ما بينا والله
أعلم. السادسة عشرة : لا يجوز أن يتسمى أحد بهذا الاسم ولا يدعى به إلا
الله تعالى، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا
الملك أين ملوك الأرض) وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن
أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك - زاد مسلم - لا مالك إلا الله عز
وجل) قال سفيان : مثل : شاهان شاه. وقال أحمد بن حنبل : سألت أبا عمرو
الشيباني عن أخنع فقال : أوضع. وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : (أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل [كان] يسمى ملك الأملاك
لا ملك إلا الله سبحانه). قال ابن الحصار : وكذلك ملك يوم
الدين و مالك الملك لا ينبغي أن يختلف في أن هذا محرم على جميع
المخلوقين كتحريم ملك الأملاك سواء، وأما الوصف بمالك وملك وهي: السابعة
عشرة :فيجوز أن يوصف بهما من اتصف بمفهومهما، قال الله العظيمإن الله قد بعث لكم طالوت ملكا[البقرة : 247 ]. وقال صلى
الله عليه وسلم : (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج
هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة ). الثامنة عشرة : إن
قال قائل : كيف قال مالك يوم الدين ويوم الدين لم
يوجد بعد، فكيف وصف نفسه بملك ما لم يوجده؟ قيل له : اعلم أن مالكا اسم
فاعل من ملك يملك، واسم الفاعل في كلام العرب قد يضاف إلى ما بعده وهو
بمعنى الفعل المستقبل، ويكون ذلك عندهم كلاما سديدا معقولا صحيحا، كقولك :
هذا ضارب زيد غدا، أي سيضرب زيدا. وكذلك : هذا حاج بيت الله في العام
المقبل، تأويله سيحج في العام المقبل أفلا ترى أن الفعل قد ينسب إليه وهو
لم يفعله بعد، وإنما أريد به الاستقبال، فكذلك قول عز وجلمالك
يوم الدين على تأويل الاستقبال، أي سيملك يوم الدين أو في يوم
الدين إذا حضر. ووجه ثان : أن يكون تأويل المالك راجع إلى القدرة، أي إنه
قادر في يوم الدين، أو على يوم الدين وإحداثه، لأن المالك للشيء هو المتصرف
في الشيء والقادر عليه والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على
إرادته، لا يمتنع عليه منها شيء. والوجه الأول أمس بالعربية وأنفذ في
طريقها، قاله أبو القاسم الزجاجي. ووجه ثالث : فيقال لم خصص يوم الدين وهو
مالك يوم الدين وغيره؟ قيل له : لأن في الدنيا كانوا منازعين في الملك مثل
فرعون ونمروذ وغيرهما وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه، وكلهم خضعوا له
كما قال تعالىلمن الملك اليوم[ غافر: 16] . فأجاب
جميع الخلقلله الواحد القهار [غافر : 16 ]. فلذلك
قال : مالك يوم الدين، أي في ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز
غيره سبحانه لا إله إلا هو. التاسعة عشرة:إن وُصِف الله سبحانه بأنه ملك
كان ذلك من صفات ذاته، وإن وصف بأنه مالك كان ذلك من صفات فعله.
الموفيةالعشرين : اليوم : عبارة عن وقت طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس،
فاستعير فيما بين مبتدأ القيامة إلى وقت استقرار أهل الدارين فيهما. وقد
يطلق اليوم على الساعة منه، قال الله تعالىاليوم أكملت
لكم دينكم [المائدة: 3 ]. وجمع يوم أيام وأصله أيوام فأدغم، وربما
عبروا عن الشدة باليوم يقال : يوم أيوم كما يقال : ليله ليلاء. قال الراجز :
نعم أخو الهيجاء في اليوم اليمي وهو مقلوب منه أخر الواو وقدم الميم ثم
قلبت الواو ياء حيث صارت طرفا، كما قالوا : أدْلٍ في جمع دلو.
الحاديةوالعشرون: الدين : الجزاء على الأعمال والحساب بها، كذلك قال ابن
عباس وابن مسعود وابن جريج وقتادة وغيرهم، وروي عن النبي صلى الله عليه
وسلم، ويدل عليه قوله تعالىيومئذ يوفيهم الله دينهم الحق[
النور: 25] . أي حسابهم. وقالاليوم تجزى كل نفس بما كسبت
[غافر :17] و اليوم تجزون ما كنتم تعملون[الجاثية:
28] . وقالأئنا لمدينون [الصافات: 53 ] . أي
مجزيون محاسبون. وقال لبيد : حصادك يوما ما زرعت وإنما ** يدان الفتى يوما
كما هو دائن آخر : إذا رمونا رميناهم ** ودناهم مثل ما يقرضونا آخر : واعلم
يقينا أن ملكك زائل ** وأعلم بأنّ كما تدين تدان وحكى أهل اللغة : دِنته
بفعله دينا بفتح الدال ودينا بكسرها جزيته، ومنه الديان في صفة الرب تعالى
أي المجازي، وفي الحديث : (الكيس من دان نفسه) أي حاسب. وقيل : القضاء،
وروي عن ابن عباس أيضا ومنه قول طرفة : لعمرك ما كانت حمولة معبد ** على
جدها حربا لدينِك من مضر ومعاني هذه الثلاثة متقاربة. والدين أيضا :
الطاعة، ومنه قول عمرو بن كلثوم : وأيام لنا غر طوال ** عصينا المَلْك فيها
أن ندينا فعلى هذا هو لفظ مشترك وهي : الثانية والعشرون : قال ثعلب : دان
الرجل إذا أطاع، ودان إذا عصى، ودان إذا عز، ودان إذا ذل، ودان إذا قهر،
فهو من الأضداد. ويطلق الدين على العادة والشأن كما قال : كدينك من أم
الحويرث قبلها وقال المثقب [يذكر ناقته ] تقول إذا درأتُ لها وضيني أهذا
دينُه أبدا وديني والدين : سيرة الملك. قال زهير : لئن حللت بجو في بني أسد
في دين عمرو وحالت بيننا فدَك أراد في موضع طاعة عمرو. والدين : الداء عن
اللحياني. وأنشد : يا دين قلبك من سلمى وقد دينا
(5) Thee do we worship, and Thine aid we
seek. (5) Hanya
kepada Engkaulah kami menyembah dan hanya kepada Engkaulah kami mohon
pertolongan
الثالثة والعشرون :قوله تعالى إياك نعبد رجع من الغيبة إلى الخطاب على التلوين،
لأن من أول السورة إلى ههنا خبرا عن الله تعالى وثناء عليه كقوله وسقاهم ربهم شرابا طهورا ُ . ثم قالإن هذا كان لكم جزاء. وعكسه حتى
إذا كنتم في الفلك وجرين بهم . على ما يأتي. ونعبد معناه نطيع والعبادة الطاعة والتذلل. وطريق
معبد إذا كان مذللا للسالكين قال الهروي. ونطق المكلف به إقرار بالربوبية
وتحقيق لعبادة الله تعالى، إذ سائر الناس يعبدون سواه من أصنام وغير
ذلك. وإياك نستعين أي نطلب العون والتأييد
والتوفيق. قال السلمي في حقائقه: سمعت محمد بن عبدالله بن شاذان
يقول: سمعت أبا حفص الفرغاني يقول: من أقرَّ بـ إياك
نعبد وإياك نستعين فقد برئ من الجبر والقدر. الرابعة والعشرون:
إن قيل: لم قدم المفعول على الفعل؟ قيل له: قدم اهتماما، وشأن العرب
تقديم الأهم. يذكر أن أعرابيا سبَّ آخر فأعرض المسبوب عنه، فقال له
الساب: إياك أعني: فقال له الآخر: وعنك أعرض، فقدما الأهم. وأيضا
لئلا يتقدم ذكر العبد والعبادة على المعبود فلا يجوز نعبدك ونستعينك ولا
نعبد إياك ونستعين إياك، فيقدم الفعل على كناية المفعول وإنما يتبع لفظ
القرآن. وقال العجاج: إياك أدعو فتقبل مَلَقي ** واغفر خطاياي وكثّر
ورقي ويروى: وثَمِّر. وأما قول الشاعر: إليك حتى بَلَغَتْ إياكا فشاذ
لا يقاس عليه. والورق بكسر الراء من الدراهم، وبفتحها المال. وكرر
الاسم لئلا يتوهم إياك نعبد ونستعين غيرك. الخامسة والعشرون:الجمهور من
القراء والعلماء على شد الياء من إياك في
الموضعين. وقرأ عمرو بن قائدإياك بكسر
الهمزة وتخفيف الياء، وذلك أنه كره تضعيف الياء لثقلها وكون الكسرة
قبلها. وهذه قراءة مرغوب عنها، فإن المعنى يصير: شمسك نعبد أو ضوءك
وإياة الشمس بكسر الهمزة: ضوءها وقد تفتح. وقال: سقته إياة الشمس إلا
لِثاتِه ** أُسِفّ فلم تَكدِم عليه بإثمد فإن أسقطت الهاء مددت.
ويقال: الإياة للشمس كالهالة للقمر وهي الدارة حولها. وقرأ الفضل
الرقاشيأياكبفتح الهمزة وهي لغة مشهورة.
وقرأ أبو السَّوار الغَنَويهياكفي الموضعين
وهي لغة قال: فهِيّاك والأمر الذي إن توسعت ** موارده ضاقت عليك مصادره
السادسةوالعشرون: قوله تعالىوإياك نستعين عطف
جملة على جملة. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمشنِستعين
بكسر النون وهي لغة تميم وأسد وقيس وربيعة ليدل على أنه من استعان، فكسرت
النون كما تكسر ألف الوصل. وأصل نستعين
نستعون قلبت حركة الواو إلى العين فصارت ياء، والمصدر استعانة والأصل
استعوان، قلبت حركة الواو إلى العين فانقلبت ألفا ولا يلتقي ساكنان فحذفت
الألف الثانية لأنها زائدة، وقيل الأولى لأن الثانية للمعنى ولزمت الهاء
عوضا.
(6) Show us the
straight way, (6)
Tunjukilah kami jalan yang lurus,
السابعة
والعشرون: قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم
اهدنا دعاء ورغبة من المربوب إلى الرب، والمعنى : دلنا على الصراط المستقيم
وأرشدنا إليه وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى أنسك وقربك. قال بعض العلماء :
فجعل الله جل وعز عظم الدعاء وجملته موضوعا في هذه السورة، نصفها فيه مجمع
الثناء ونصفها فيه مجمع الحاجات، وجعل هذا الدعاء الذي في هذه السورة أفضل
من الذي يدعو به [الداعي] لأن هذا الكلام قد تكلم به رب العالمين فأنت
تدعو بدعاء هو كلامه الذي تكلم به، وفي الحديث : (ليس شيء أكرم على الله من
الدعاء). وقيل المعنى : أرشدنا باستعمال السنن في أداء فرائضك وقيل: الأصل
فيه الإمالة ومنه قوله تعالى إنا هُدنا إليك
[الأعراف:156] أي ملنا، وخرج عليه السلام في مرضه يتهادى بين اثنين، أي
يتمايل. ومنه الهدية لأنها تمال من مِلك إلى مِلك. ومنه الهدي للحيوان الذي
يساق إلى الحرم، فالمعنى مل بقلوبنا إلى الحق. وقال الفضيل بن عياض الصراط المستقيم طريق الحج، وهذا خاص والعموم أولى. قال
محمد ابن الحنفية في قوله عز وجل اهدنا الصراط المستقيم:
هو دين الله الذي لا يقبل من العبادة غيره. وقال عاصم الأحول عن أبي
العالية الصراط المستقيم رسول الله صلى الله عليه
وسلم وصاحباه من بعده. قال عاصم فقلت للحسن: إن أبا العالية يقول الصراط المستقيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه
قال : صدق ونصح. الثامنة والعشرون: أصل الصراط في كلام العرب الطريق، قال
عامر بن الطفيل : شحنَّا أرضهم بالخيل حتى ** تركناهم أذل من الصراط وقال
جرير : أمير المؤمنين على صراط ** إذا اعوج الموارد مستقيم وقال آخر : فصدّ
عن نهج الصراط الواضح ** حكى النقّاش : الصراط الطريق بلغة الروم، فقال
ابن عطية : وهذا ضعيف جدا. وقرئ : السراط بالسين من الاستراط بمعنى
الابتلاع، كأن الطريق يسترط من يسلكه. وقرئ بين الزاي والصاد. وقرئ بزاي
خالصة والسين الأصل. وحكى سلمة عن الفراء قال : الزراط بإخلاص الزاي لغة
لعُذرة وكلب وبني القَيْن قال : وهؤلاء يقولون [في أصدق]: أزدق. وقد قالوا :
الأزْد والأسْد، ولسق به ولصق به. والصراط نصب
على المفعول الثاني لأن الفعل من الهداية يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف
جر، قال الله تعالىفاهدوهم إلى صراط الجحيم
[الصافات: 23 ]. وبغير حرف كما في هذه الآية. المستقيم
صفة لـ الصراط وهو الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
ومنه قوله تعالىوأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
[الأنعام: 153 ]. وأصله مستقوم، نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء
لانكسار ما قبلها.
(7)
The way of those on whom Thou hast bestowed Thy Grace, those whose
(portion) is not wrath, and who go not astray. (7) (yaitu) jalan orang-orang
yang telah Engkau anugerahkan nikmat kepada mereka, bukan (jalan) mereka
yang dimurkai dan bukan (pula jalan) mereka yang sesat. التاسعة والعشرون: قوله تعالىصراط
الذين أنعمت عليهم صراط بدل من الأول بدل الشيء من الشيء، كقولك :
جاءني زيد أبوك. ومعناه : أدم هدايتنا، فإن الإنسان قد يهدى إلى الطريق ثم
يقطع به. وقيل : هو صراط آخر، ومعناه العلم بالله جل وعز والفهم عنه، قاله
جعفر بن محمد. ولغة القرآن الذين في الرفع والنصب
والجر وهذيل تقول : اللذون في الرفع، ومن العرب من يقول : اللذو، ومنهم من
يقول الذي، وسيأتي. وفي عليهم عشر لغات، قرئ
بعامتهاعليهُم بضم الهاء وإسكان الميم. وعليهِم بكسر الهاء وإسكان الميم. و عليهمي
بكسر الهاء والميم وإلحاق ياء بعد الكسرة. و
عليهمو بكسر الهاء وضم الميم وزيادة واو بعد الضمة. و عليهمو بضم الهاء والميم كلتيهما وإدخال واو بعد الميم.
و عليهم بضم الهاء والميم من غير زيادة واو.
وهذه الأوجه الستة مأثورة عن الأئمة من القراء. وأوجه أربعة منقولة عن
العرب غير محكية عن القراء عليهمي بضم الهاء وكسر
الميم وإدخال ياء بعد الميم، حكاها الحسن البصري عن العرب. و عليهُمِ بضم الهاء وكسر الميم من غير زيادة ياء. و عليهِمُ ْبكسر الهاء وضم الميم من غير إلحاق واو. و عليهم بكسر الهاء والميم ولا ياء بعد الميم. وكلها
صواب، قاله ابن الأنباري. الموفية الثلاثين: قرأ عمر بن الخطاب وابن الزبير
رضي الله عنهما صراط من أنعمت عليهم . واختلف
الناس في المنعم عليهم، فقال الجمهور من المفسرين : إنه أراد صراط النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين. وانتزعوا ذلك من قوله تعالىومن
يطع الله والرسول فأولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا [النساء: 69 ]. فالآية تقتضي
أن هؤلاء على صراط مستقيم، وهو المطلوب في آية الحمد وجميع ما قيل إلى هذا
يرجع، فلا معنى لتعديد الأقوال والله المستعان. الحادية والثلاثون: في هذه
الآية رد على القدرية والمعتزلة والإمامية، لأنهم يعتقدون أن إرادة الإنسان
كافية في صدور أفعال منه طاعة كانت أو معصية، لأن الإنسان عندهم خالق
لأفعاله فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربه، وقد أكذبهم الله تعالى في
هذه الآية إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم فلو كان الأمر إليهم
والاختيار بيدهم دون ربهم لما سألوه الهداية، ولا كرروا السؤال في كل صلاة
وكذلك تضرعهم إليه في دفع المكروه وهو ما يناقض الهداية حيث قالواصراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
[الفاتحة: 7 ]. فكما سألوه أن يهديهم سألوه ألا يضلهم، وكذلك يدعون فيقولونربنا لا تزغ قلوبنا بعد إن هديتنا [آل عمران:8 ].
الثانية والثلاثون: قوله تعالىغير المغضوب عليهم ولا
الضالين اختلف في المغضوب عليهم والضالين من هم؟ فالجمهور أن المغضوب عليهم اليهود
والضالين النصارى، وجاء ذلك مفسرا عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي
بن حاتم وقصة إسلامه، أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والترمذي في
جامعه. وشهد لهذا التفسير أيضا قوله سبحانه في اليهود : وباؤوا
بغضب من الله [البقرة: 61].[وآل عمران 112 ]. وقالوغضب
الله عليهم [الفتح: 6 ]. وقال في النصارىقد ضلوا
من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل [المائدة: 77 ]. وقيل المغضوب عليهم المشركون. و الضالين
المنافقون. وقيلالمغضوب عليهم هو من أسقط فرض
هذه السورة في الصلاة و الضالين عن بركة
قراءتها. حكاه السلمي في حقائقه والماوردي في تفسيره وليس بشيء. قال
الماوردي : وهذا وجه مردود، لأن ما تعارضت فيه الأخبار وتقابلت فيه الآثار
وانتشر فيه الخلاف لم يجز أن يطلق عليه هذا الحكم. وقيلالمغضوب
عليهم باتباع البدع والضالين عن سنن
الهدى. قلت : وهذا حسن، وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأعلى وأحسن.
وعليهم في موضع رفع لأن المعنى غضب عليهم. والغضب
في اللغة الشدة. ورجل غضوب أي شديد الخلق. والغضوب : الحية الخبيثة
لشدتها. والغضبة : الدرقة من جلد البعير، يطوى بعضها على بعض، سميت بذلك
لشدتها. ومعنى الغضب في صفة الله تعالى إرادة العقوبة، فهو صفة ذات، وإرادة
الله تعالى من صفات ذاته أو نفس العقوبة ومنه الحديث : (إن الصدقة لتطفئ
غضب الرب) فهو صفة فعل. الثالثة والثلاثون: قوله تعالىولا
الضالين الضلال في كلام العرب هو الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق،
ومنه : ضل اللبن في الماء أي غاب. ومنهأئذا ضللنا في
الأرض [السجدة: 10] . أي غبنا بالموت وصرنا ترابا، قال : ألم تسأل
فتخبرك الديار ** عن الحي المضلَّل أين ساروا والضُّلَضِلَة : حجر أملس
يردده الماء في الوادي. وكذلك الغضبة : صخرة في الجبل مخالفة لونه قال : أو
غضبة في هضبة ما أمنعا الرابعة و الثلاثون: قرأ عمر بن الخطاب وأبي بن كعب
غير المغضوب عليهم وغير الضالين وروي عنهما في
الراء النصب والخفض في الحرفين، فالخفض على البدل من الذين
أو من الهاء والميم في عليهم أو صفة للذين والذين
معرفة ولا توصف المعارف بالنكرات ولا النكرات بالمعارف، إلا أن الذين ليس
بمقصود قصدهم فهو عام فالكلام بمنزلة قولك : إني لأمر بمثلك فأكرمه أو لأن غير تعرفت لكونها بين شيئين لا وسط بينهما كما تقول :
الحي غير الميت والساكن غير المتحرك والقائم غير القاعد، قولان : الأول
للفارسي والثاني للزمخشري. والنصب في الراء على وجهين : على الحال من الذين
أو من الهاء والميم في عليهم كأنك قلت : أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم. أو
على الاستثناء كأنك قلت : إلا المغضوب عليهم. ويجوز النصب بأعني، وحكي عن
الخليل. الخامسة والثلاثون : قوله تعالىلا في ولا الضالين اختلف فيها فقيل هي زائدة، قاله الطبري.
ومنه قوله تعالىما منعك ألا تسجد [الأعراف: 12] .
وقيل : هي تأكيد دخلت لئلا يتوهم أن الضالين معطوف على الذين، حكاه مكي
والمهدوي. وقال الكوفيونلا بمعنى غير وهي قراءة
عمر وأبي وقد تقدم. السادسة والثلاثون: الأصل في الضالين
: الضاللين حذفت حركة اللام الأولى ثم أدغمت اللام في اللام فاجتمع ساكنان
مدة الألف واللام المدغمة. وقرأ أيوب السختيانيولا
الضألين بهمزة غير ممدودة كأنه فر من التقاء الساكنين، وهي لغة. حكى
أبو زيد قال : سمعت عمرو بن عبيد - يقرأ فيومئذ لا يسأل
عن ذنبه إنس ولا جأَنّ [الرحمن:39 ]. فظننته قد لحن حتى سمعت من
العرب : دأبة وشأبة. قال أبو الفتح : وعلى هذه اللغة قول كُثَيّر : إذا ما
العوالي بالعبيط احمأرت نُجز تفسير سورة الحمد، ولله الحمد والمنة
Tidak ada komentar:
Posting Komentar